سورة محمد - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


قوله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} قيل: الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره، وقيل: معناه فاثبت عليه. وقال الحسين بن الفضل: فازدد علمًا على علمك. وقال أبو العالية وابن عيينة: هو متصل بما قبله معناه: إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا ملجأ ولا مفزع عند قيامها إلا إلى الله. وقيل: فاعلم أنه لا إله إلا الله، أن الممالك تبطل عند قيامها، فلا ملك ولا حكم لأحد إلا لله، {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} أمر بالاستغفار مع أنه مغفور له لتستنَّ به أمته.
أخبرنا عبدالواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أبي بردة، عن الأغر المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة».
قوله عز وجل: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} هذا إكرام من الله تعالى لهذه الأمة حيث أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} قال ابن عباس والضحاك: {متقلبكم} متصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا، {ومثواكم} مصيركم في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار.
وقال مقاتل وابن جرير: {متقلبكم} منصرفكم لأشغالكم بالنهار، {ومثواكم} مأواكم إلى مضاجعكم بالليل.
وقال عكرمة: {متقلبكم} من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات. {ومثواكم} مقامكم في الأرض.
وقال ابن كيسان: {متقلبكم} من ظهر إلى بطن، {ومثواكم} مقامكم في القبور.
والمعنى: أنه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها.


{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا} حرصًا منهم على الجهاد: {لَوْلا نزلَتْ سُورَةٌ} تأمرنا بالجهاد، {فَإِذَا أُنزلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ} قال قتادة: كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة، وهي أشد القرآن على المنافقين، {رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} يعني المنافقين، {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} شزرًا بتحديق شديد، كراهية منهم للجهاد وجبنًا عن لقاء العدو، {نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} كما ينظر الشاخص بصره عند الموت، {فَأَوْلَى لَهُمْ} وعيد وتهديد، ومعنى قولهم في التهديد: {أولى لك} أي: وَلِيَك وقاربك ما تكره.
ثم قال: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} وهذا ابتداء محذوف الخبر، تقديره: طاعة، وقول معروف أمثل، أي لو أطاعوا وقالوا قولا معروفًا كان أمثل وأحسن.
وقيل: مجازه: يقول هؤلاء المنافقون قبل نزول السورة المحكمة: طاعة، رفع على الحكاية أي أمرنا طاعة أو منا طاعة، {وقول معروف}: حسن.
وقيل: هو متصل بما قبله، واللام في قوله: {لهم} بمعنى الباء، مجازه: فأولى بهم طاعة الله ورسوله، وقول معروف بالإجابة، أي لو أطاعوا كانت الطاعة والإجابة أولى بهم، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء.
{فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ} أي جد الأمر ولزم فرض القتال وصار الأمر معزومًا، {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ} في إظهار الإيمان والطاعة، {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} وقيل: جواب {إذا} محذوف تقديره فإذا عزم الأمر نكلوا وكذبوا فيما وعدوا ولو صدقوا الله لكان خيرًا لهم.


{فَهَلْ عَسَيْتُمْ} فلعلكم، {إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه، {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ} تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية فتفسدوا في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدماء، وترجعوا إلى الفرقة بعد ما جمعكم الله بالإسلام. {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} قرأ يعقوب: {وتقطعوا} بفتح التاء خفيف، والآخرون بالتشديد و{تقطعوا} من التقطيع، على التكثير، لأجل الأرحام، قال قتادة: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام، وقطعوا الأرحام، وعصوا الرحمن؟ وقال بعضهم: هو من الولاية. وقال المسيب بن شريك والفراء: يقول فهل عسيتم إن وليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم، نزلت في بني أمية وبني هاشم، يدل عليه قراءة علي بن أبي طالب {توليتم} بضم التاء والواو وكسر اللام، يقول: إن وليتكم ولاة جائرة خرجتم معهم في الفتنة وعاونتموهم.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} عن الحق.
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه، و{أم} بمعنى بل.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أنبأني عقيل بن محمد، أخبرنا المعافى بن زكريا، أخبرنا محمد بن جرير، حدثنا بشر، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} فقال شاب من أهل اليمن: بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها، فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به.
{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ} رجعوا كفارًا، {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} قال قتادة: هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفوه ووجدوا نعته في كتابهم.
وقال ابن عباس، والضحاك، والسدي: هم المنافقون.
{الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ} زين لهم القبيح، {وَأَمْلَى لَهُمْ} قرأ أهل البصرة بضم الألف وكسر اللام وفتح الياء على ما لم يسم فاعله، وقرأ مجاهد بإرسال الياء على وجه الخبر من الله عز وجل عن نفسه أنه يفعل ذلك، وتروى هذه القراءة عن يعقوب، وقرأ الآخرون: {وأملى لهم} بفتح الألف، أي: وأملى الشيطان لهم، مد لهم في الأمل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5